مستقبل المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران بعد توقف العمليات العدائية

كانت الهجمات الأخيرة التي شنتها إسرائيل ولاحقاً الولايات المتحدة، في جميع أنحاء إيران في الثالث عشر من حزيران 2025، مثالاً على التحول الكبير في العلاقات الدولية. فقد كانت الهجمات غير مسبوقة، واستغرق التحضير لها ربما سنوات، وقد تمت بمشاركة أكثر من 350 طائرة وقاذفة اسرائيلية و أمريكية، ضربت أهداف ومنشآت في عمق آراضي إيران. التي بدورها ردت بقصف إسرائيل بمئات الصواريخ والطائرات المسيرة، أحدثت انفجارات متعددة في جميع أنحاء إسرائيل. كما استهدفت ايران في آخر أيام الحرب قاعدة العديد الجوية، التي تتضمن أصولاً عسكرية للولايات المتحدة.
ومن المفارقات في هذه المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة و إيران، أنها حصلت في لحظات المفاوضات ذاتها بين الطرفين، وقبل يومين من الجولة السادسة من المفاوضات التي كان مقرراً لها أن تكون في الخامس عشر من يونيو بين الولايات المتحدة و إيران. ونتيجة لذلك، أصبح مستقبل المحادثات الجادة بين البلدين ضعيفًا، فلا يمكن للعنف والسلام أن يسيرا في طريق واحد.
في ظل هذه البيئة المتوترة، تصبح امكانية التوصل إلى حلول دبلوماسية أكثر صعوبةً حتمًا. ويبدو احتمال التوصل إلى اتفاق نووي بعيدًا وفق المعطيات الحالية، بينما تُرسم ملامح سيناريو مُقلق من الجمود طويل الأمد في المنطقة. وهو سيناريو لو حدث سيُنذر بتعميق الانقسامات، وتصعيد العداء، وإبقاء النزاعات الإقليمية الحاسمة دون حل. في ظل هذا المناخ، قد يعود العمل العسكري للواجهة مرة أخرى. ولمنع ذلك التصعيد، يجب استمرار الدبلوماسية المستدامة، التي تؤدي إلى خلق التزام طويل الأمد بخفض التصعيد في المنطقة وخاصة بين إيران و إسرائيل، وهو ما لم يُظهره أي من الجانبين بشكل كامل بعد.
أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن استعداده للتوصل لاتفاق مع إيران وإنهاء الصراع، بل إنه تجاوز ذلك، بإعلانه عن استعداد بلاده لدعم برنامج نووي سلمي لإيران. وفي ذات الوقت فإن الرئيس ترمب، لا يتردد في التصريح صراحةً بأنه سيحقق أهدافه بالوسائل العسكرية، في حال فشل التوصل إلى اتفاق عبر المفاوضات السلمية مع إيران في حال عودتها لتأهيل منشآتها النووية.
بالمقابل، كانت إيران تردد في موقفها التفاوضي، أنها لا تطور أي سلاح نووي، وأن برنامجها النووي لأغراض سلمية.
نتيجةً لذلك، وضع الجانبان حدودًا متعارضة تجعل أي اتفاق سريع مستحيلًا. ويبدو أن سلوك إيران قبل الضربة الأمريكية لا يثنيه التهديدات المستمرة بفرض عقوبات أو غيرها من أشكال الضغط الأمريكي، إذ لا تزال متمسكة بموقفها حول حقها في الحصول على الطاقة النووية. ولا يترك التباين الكبير بين مطالب الطرفين مجالًا يُذكر لإحراز تقدم ملموس في المفاوضات.
تكمن المشكلة الأساسية في صراعٌ متجذرٌ في المنطقة بسبب عدم حل القضية الفلسطينية وإهمال القرارات الدولية بشأنها وتوقف تام لعملية السلام منذ أكثر من عشرون عاماً. إن النهج الذي يسعى لحل القضايا الاقليمية، ويتجاهل القضية الفلسطينية، هو مؤشرٌ واضح على قصور في النهج التعاملي. فلا يمكن تحقيق سلام دائم دون إطار سلام جاد يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية وفق القرارات والمرجعيات الدولية.
لقد ثبت مرارًا وتكرارًا أن النزاعات العالقة، التي تُترك دون حل، تميل إلى تجديد نفسها وزرع بذور النزاعات في المستقبل.
علاوة على ذلك، فإن حربًا مثل الحرب التي وقعت بين إيران و إسرائيل، لها أثر نفسي عميق يتحمله المدنيون والعسكريون والمجتمعات على حد سواء. إن كمية الدماء والأرواح التي أُزهقت خلال الحرب تُبرز جهلًا تامًا بالبعد الإنساني لهذا الصراع، مما يزيد من تعقيد السعي لتحقيق السلام.
إن الحاجة الماسة للسلام في المنطقة، يتطلب إحداث تحول في المقاربة السياسية لمشاكل المنطقة، تحول لا يقتصر على خفض التصعيد، بل يشمل أيضًا المعاناة التي تحملتها شعوب المنطقة.
من الضروري أن تكون المحادثات الأمريكية الإيرانية القادمة أكثر انفتاحًا وشمولًا، وبمشاركة الدول العربية المتضررة من حالة الصراع الأمريكي/الإسرائيلي مع إيران، وأن تشمل هذه المحادثات جميع قضايا المنطقة.