كتب خالد الصرمي: ليس الجبهات وحدها الخبز يحتاج بطلًا

كريتر سكاي: خاص

 

في هذا البلد المتعَب، صار الخبز حلمًا، والدواء أمنية، والراتب لا يصل حتى منتصف الشهر  إن وُجد أصلًا.
كل شيء يعلو ما عدا المرتبات.
كل شيء يُربَط بالدولار حتى البصل!

والناس؟
يمشون بثقل التعب، ويتعاملون مع الأسواق كأنها ساحة قتال يومية، يخوضون فيها معارك على أسعار السكر، والزيت، والغاز، وكل شيء "أساسي" بات رفاهية.

في هذا الزمن، لم يعُد اليمني يسأل عن تحرير مأرب، ولا عن وضع الجبهات في تعز أو الحديدة.
يسأل فقط: كم صار سعر الكيس الدقيق؟
هل الدولار ارتفع؟
اشتري سعودي وإلا انتظر؟
هل الريال لا يزال حيًّا؟
وكم تحتاج الأسرة لتعيش شهرًا دون أن تضطر لبيع ذهب الأم أو هاتف الابن؟

ولأن الناس فقدوا الإحساس بأي جدوى من السياسة، وكذلك الثقة بأي قرار اقتصادي. 
بدا لوهلة أن الكل استسلم.
لكن ثمّة من قرر أخيرًا أن يفتح جبهةً جديدة جبهة في قلب السوق.

دولة رئيس الوزراء، الدكتور محمد سالم بن بريك، لا يملك معجزات، ولا جاء بوصفة سحرية.
لكنه، وللأمانة، بدأ يضع إصبعه على الجرح الحقيقي:
العملة. الاقتصاد. قُوت الناس.

وبالتعاون مع محافظ البنك المركزي، الأستاذ أحمد غالب المعبقي، ظهرت بعض الإجراءات التي بعثت شيئًا من الأمل:ضبط مؤسسات الصرافة كبح جماح المضاربة محاولات لوقف انهيار العملةووهي خطوات لا تُنكر، لكنها تحتاج ما هو أكثر من القرار المكتبي.

لأن الحقيقة هي:
لا إصلاح اقتصادي ممكن من غير وعي شعبي حقيقي.
ولا حماية للريال إذا ظل المواطن "يتفهّم" التاجر أكثر مما يثق بالدولة. ولا عدالة في السوق، إذا بقي الصامتون أكثر من الغاضبين.

اليوم، معظم الأسواق في المدن اليمنية الكبرى تحوّلت إلى مستنقعات للفوضى،
أسعار متضاربة، ومبررات جاهزة:
"الدولار ارتفع"
"اشترينا غالي"
"التحويلات تأخرت"
"ما معنا صرف"
حتى صارت لغة السوق مزيجًا من الأعذار الفارغة والاحتيال المقنّن.

والمواطن؟
هو الضحية، والزبون، والمستهلك، والمذنب في نظر البائع لأنه لا يشتري أكثر.
هو من يقترض ليأكل.
ويبيع ليعالج.ويصمت لأنه لم يَعُد يملك حتى الصوت.

ولهذا نقول:معركة تحسين الوضع المعيشي لا تُخاض من المكاتب وحدها.تحتاج إلى قرار حكومي جاد، نعم، لكنها تحتاج أكثر إلى شعب يرفض أن يكون ضحية صامتة.

على الناس أن يدركوا أن "تطبيعهم" مع الأسعار المجنونة، وتسامحهم مع كل تاجرٍ جشع،
هو ما يجعل الفوضى تكبر وتُصبح واقعًا.

دولة الرئيس،
إذا كنت قد فتحت باب المواجهة، فليكن الباب مشرعًا، لا نصف مفتوح.فالناس يتعبون بسرعة إن لم يروْا نتائجًا ملموسة.

اليوم، قيمة الريال ليست مجرد رقم في سوق الصرافة،
بل هي مرآة لما تبقى من كرامة الناس، هي انعكاس لحالة بلدٍ يصارع كي لا يفقد ما تبقّى له من قدرة على الحياة.

ولذلك، نحن معك.
لا لأنك في منصب، بل لأنك أخيرًا اخترت أن تُقاتل في الميدان الذي يهمّ الناس حقًا.
فاستمر، ولا تأبه للضجيج،
فاليد التي تداوي يجب ألا تُصافح من يسرق القوت.

لأننا نحتاج بطلًا من أجل الخبز لا من أجل الجبهات فقط.