وقف استيراد الكماليات ضرورة وطنية لحماية العملة وإنقاذ الاقتصاد

يعيش اليمن اليوم واحدة من أسوأ مراحله الاقتصادية والمعيشية، وسط غياب شبه كامل لأي دور فعّال من قِبل الحكومة ومؤسساتها في التخفيف من اتساع رقعة الفقر وغلاء المعيشة الذي ينهك كاهل المواطنين. هذا الواقع المؤلم يدفعنا إلى طرح تساؤلات جدّية حول جدوى استمرار تلك الوزارات والمؤسسات التي تستهلك موارد البلد المالية دون أن تقدّم أدنى مساهمة ملموسة في وقف التدهور المتسارع للحالة المعيشية للناس.

من المفترض أن تتولى وزارة الصناعة والتجارة – بوصفها جهة مسؤولة عن تنظيم الاستيراد وحماية الاقتصاد الوطني – اتخاذ قرارات عاجلة وحاسمة للحد من نزيف العملة الصعبة إلى الخارج، وحصر استخدامها فقط في شراء المواد الأساسية التي تمس حياة المواطنين محدودي الدخل، كالأغذية الأساسية، والأدوية، وحليب الأطفال.

لكن ما يحدث في الواقع مؤسف ومقلق، إذ تُحوَّل مئات الملايين من الدولارات إلى الخارج عبر شركات تجارية تستورد سلعًا كمالية وترفيهية لا تمثل أولوية معيشية لغالبية السكان، بل تستهلكها شريحة صغيرة من الطبقتين الوسطى والعليا. هذه السياسات الخاطئة تؤدي إلى تفاقم التضخم النقدي وتدهور سعر العملة الوطنية، وهو ما ينعكس بشكل مباشر وسلبي على معيشة المواطنين ويزيد من معدلات الفقر والجوع.

إن الوضع الاقتصادي يفرض على وزارة الصناعة والتجارة اتخاذ إجراءات استثنائية، تبدأ بمنع أو تقنين استيراد السلع الكمالية وغير الضرورية، على الأقل لفترة مؤقتة، وفتح المجال فقط أمام استيراد المواد الضرورية والأساسية، من أغذية وأدوية، حتى تستعيد العملة الوطنية شيئًا من توازنها، وتتحسن القدرة الشرائية للمواطن.

مثل هذه القرارات ليست مجرد إجراءات اقتصادية، بل تمثل ضرورة وطنية لإنقاذ ما تبقى من مقومات الحياة، وكبح الانهيار الحاد الذي يهدد حياة ملايين اليمنيين.

لكن المؤسف أن القائمين على إدارة شؤون الدولة – من وزراء ومدراء مؤسسات – يفتقرون لأبسط مقومات المسؤولية والكفاءة، ويغيب عنهم الإحساس بالواجب الوطني، فلا يمتلكون الحد الأدنى من المهنية القيادية، ولا يستشعرون خطورة الوضع الذي ينزلق إليه البلد بسرعة نحو مجاعة كارثية قد تودي بحياة الملايين من عامة الناس.

إن الاستمرار في تجاهل هذه الحقائق الكارثية هو خيانة وطنية موصوفة، والسكوت عن أداء هذه المؤسسات هو تواطؤ غير معلن في تعميق مأساة شعبٍ لا يزال يصارع للبقاء.

#طلال_لزرق

مقالات الكاتب