رسالة الى الصديق العزيز الأستاذ/ سعيد العولقي
اطلعنا على مقالكم الأخير بعنوان "الصهير"، وهو امتداد لأعمالكم الأدبية الرائعة السابقة وفي مقدمتها مس...
اطلعنا على مقالكم الأخير بعنوان "الصهير"، وهو امتداد لأعمالكم الأدبية الرائعة السابقة وفي مقدمتها مسرحية "التركة" التي تركت أثرًا كبيرًا في نفوس الناس، ودخلت إلى كل بيت ومعسكر، لما احتوته من رسائل تاريخية ووطنية ونقدية. لقد شاهدناها أكثر من مرة في الماضي والحاضر، وكانت بحق عملاً فنيًا رائعا خلد مرحلة تاريخية مهمة بأسلوب راقٍ يعكس ما سُمّي حينها بـ"الزمن الجميل"، بسلبياته وإيجابياته.
لقد كنا نتمنى أن يكون حاضرنا أفضل من ماضينا، وأن نمضي في البناء والتعمير ومواكبة التطور، لا في مسارات التدمير والتطرف والجهل. وأتذكر هنا أننا حرصنا بعد الاستقلال عام 1967 على الحفاظ على ما هو إيجابي مما ورثناه من فترة الاحتلال البريطاني، سواء في النظام الإداري والمالي في الأجهزة المدنية والعسكرية والاقتصادية، أو في تخطيط مدينة عدن الذي حافظنا عليه وعملنا على تطويره، واضعين خطة للتوسع العمراني حتى عام 2011.
وقد أُنشئت أحياء سكنية كاملة مثل حي عبد العزيز عبد الولي الذي جاءنا كهدية من الشيخ زايد رحمه الله، وحي عمر المختار الذي ساهمت في بنائه القيادة الليبية، إلى جانب أحياء نجوى مكاوي، وريمي، والسنافر، والأحمدي وغيرها ووديع حداد. وقد استفدنا في ذلك من التجربة العمرانية التي ورثناها من بريطانيا مثل حي المدينة البيضاء. وأذكر أننا سكنّا في هذا الحي دون أن نغير فيه شيئًا، إذ لم يكن مسموحا بإضافة أو تعديل إلا بموافقة البلدية والمحافظة، في عهد المحافظين الأوائل من أمثال أبو بكر شفيق، ونور الدين قاسم، ومحمود محمد جعفر، وطه غانم، ومحمود عراسي وغيرهم.
وأتذكر أنني التقيت بأحد الأصدقاء في القاهرة وسألته عن أخباره وأخبار أسرته وأين يسكنون، فقال لي: "إننا نسكن في المدينة البيضاء في خور مكسر في منزل الوالد الذي ورثناه منه". فقلت: "هذا البيت يتسع لخمس أسر مع أولادهم". فقال: "لا، لكننا بنينا أربعة بيوت في حرم الفيلا (الحوش)". فانزعجت من هذا الخبر، فنظر نحوي وقال: "لا تنزعج، فالكل بنى ولسنا وحدنا، والطريق إلى المطار أصبح محلات وورش".
أما اليوم، فقد طالت الفوضى والعشوائية كل شيء، حتى الأحياء السكنية والمعسكرات والمرافق الحكومية، وامتدت إلى المواقع الأثرية مثل صهاريج عدن، وذلك كله مع الأسف بمباركة بعض المسؤولين أو صمتهم . كما أشرتم أنتم بصدق في مقالكم، فإن غياب الدولة ومؤسساتها هو السبب الرئيس وراء هذه الكارثة العمرانية والثقافية.
إن مدينة عدن التي دخلتها الكهرباء منذ عام 1926، وقبل ذلك العمران، وكانت تُعد من أجمل مدن شبه الجزيرة العربية، تتعرض اليوم لتشويه متعمد يفقدها هويتها وفرادتها. لذلك فإننا نناشد المسؤولين والمواطنين على حد سواء أن يحافظوا على مدنهم وأحيائهم، إيمانًا بأن لهذه الفوضى نهاية، وأن أبناء شعبنا العظيم المخلصين قادرون على إعادة الأمور إلى نصابها.
مع خالص التحية والتقدير،
علي ناصر محمد